دعائم النصر للإمام حسن البنا

بقلم : الإمام حسن البنا



( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (الأنفال: 45 : 47)
 
أيها العرب والمسلمون اسمعوا وتدبروا واعتبروا وصدق الله العظيم ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17) ، وإن آيات الكتاب الكريم في صدقها وأحقيتها لأثبت من المعادلات الرياضية التي لا تختلف نتائجها ولا تضطرب أرقامها ومن أصدق من الله قيلاً ، وهذه هي قواعد النصر الست في هذه الآيات الكريمة :
 
1ـ الثبات : فإن المؤمن لا يتزعزع ولا يتردد ولا يهن ولا يضعف أبداً لأنه لا ينتظر إلا إحدى الحسنيين الشهادة أو النصر ، ولا يتوقع إلا ما كتب الله له ، ولو أن أهل الأرض جميعاً اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشئ قد كتبه الله له ، ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشئ قد كتبه الله عليه ، وإنه مأجور على ما يلقى من ذلك لله ، وأشد ما يحرص عليه الناس آجالهم وأرزاقهم ، وأشد ما يدعوهم إلى التردد والضعف ، الخوف على هذه الأعمار أن تقصر بالموت ، والخشية على هذه الأرزاق أن تنقص بالنفقة ، والمؤمن واثق تمام الثقة أن الأجل والرزق بيد الله وحده لا سلطان عليهما لأحد غيره ، ففيم التردد والخوف والضعف والوهن ، إن المؤمن ثابت لا يلين ، قوي لا يضعف ، وكثيراً ما كان الفرق بين الهزيمة والنصر ساعة من الثبات ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) (آل عمران:146) .
 
2ـ وذكر الله تبارك وتعالى وهو أمان الخائفين وأمل اللاجئين والمؤمن يعلم تمام العلم ، ويوقن أعمق اليقين بأن قدرة الله أعظم قدر وأن قوة الله أجل القوى ، وأن الله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، فإذا أحاطت عوامل اليأس وهتفت به هواتف الهزيمة من كل مكان وأحدقت به قوى الأعداء من كل جانب ذكر صادقاً أن وراء ذلك كله قوة القوي القدير العلي الكبير ، الذي له ما في السموات والأرض ومن فيهما جميعاً ، ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) ، ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) .
فماذا عسى أن ينال من نفسه تهويل المهولين ، أو قوة المتكاثرين وعدة المعتدين ؟ لا شيء أبداً ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (آل عمران:173) .
 
3ـ وطاعة الله ورسوله ، فلا قتال إلا لغاية ولا عمل إلا في حدود ، وإذا كانت الغاية مرضاة الله ورسوله ، وإذا كانت الحدود حدود الله ورسوله وما وضع العليم الخبير لعباده من نظم ومناهج وأحكام وقواعد تبصرهم بالخير وتأمرهم به ، وتحذرهم من الشر وتنهاهم عنه ، كانت تلك ولا شك أنبل الغايات وأشرف المقاصد يهون في سبيلها البذل ويطيب من أجلها الكفاح ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) (النساء:76)  .
 
4ـ الوحدة والإخاء في العاطفة والقيادة والجندية والقول والعمل والشعور والروح والمقصد والغاية والوحدة في كل شيء هي اساس القوة وملاك العزة وما تفرق قوم إلا ضعفوا وما اختلف نفر إلا ذلوا ، والوحدة صميم الإيمان والفرقة معنى من معاني الكفر ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (الحجرات: 10) .
 
5ـ الصبر : وهو أصل الثبات ، فلا ثبات إلا للصابرين ، والثبات مظهر وعمل ، والصبر عاطفة وخلق ، والصابرون يوفون أجرهم بغير حساب في الدنيا بالنصر والظفر ، وفي الآخرة بالمثوبة والأجر ، ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) ، ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) ، ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ) .
 
6ـ تصحيح النية وطهارة المقصد ، فلا يكون الغرض عدواناً على أحد ، أو إبطالاً لحق ، أو إحقاقاً لباطل ، أو تهجماً على آمنين أو اغتصابا لآخرين ، بل يكون دفاعاً مشروعاً أو نجدة لمظلوم أو حماية للمثل العليا أن تنتهك حرمتها ولقواعد العدالة والإنصاف أن تنهدم بفعل المطامع والشهوات ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ )(الأنفال:47) .
 
أيها العرب والمسلمون :
في هذا الوقت العصيب الذي تدفقت فيه عليكم قوى الشر من كل مكان فتألب الشرك بقضه وقضيضه عليكم في الهند ، وتألبت اليهودية العالمية بعددها وعدتها عليكم في فلسطين ، ووقفت دول الاستعمار الباغية المخادعة ترمق المعركة لتقتسم الأسلاب ، وتلقي في النار بالوقود لتزداد اشتعالاً حتى تأتي على الأخضر واليابس ، ورأيتم مصداق قول الله تبارك وتعالى ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) (المائدة: 82)
 
في هذا الوقت أيها العرب والمسلمون يجب ألا تيأسوا ولا تهنوا ولا تحزنوا ، فقد وعدكم الله النصر ولا شك في موعوده متى عرفتم قواعده ، وأقمتم دعائمه وأخذتم في أسبابه وعرفتم كيف تحققون هذه الأمور الستة :
* الثبات            * وذكر الله      * وطاعة الله ورسوله     
* والوحدة          * والصبر       * ونبل المقصد
والله معكم ومن كان الله معه فلن يغلب أبداً .. والله أكبر ولله الحمد
 
(1) جريدة الإخوان المسلمين اليومية ـ السنة الثالثة ـ العدد 700 ص1 شوال 1367هـ / 13 أغسطس 1948م .
 

مكتبة الدعوة و التغيير تأتيكم دائما بالأفضل

0 التعليقات:

إرسال تعليق