سيد قطب فى يوم مولده نذكره ونحبه ونختلف معه


مكتبة الدعوة و التغيير تقدم لكم
سيد قطب فى يوم مولده نذكره ونحبه ونختلف معه
أحيانا كثيره اسأل نفسي ماذا لو لم يكن سيد قطب على هذه الموهبة الأدبية العالية المرهفه والتي شهد له بها الكافة..وكان فقط مفكرا يتعامل مع الواقع تعامل المفكرين والفلاسفة..أكان يذهب فى آرائه إلى ما ذهب.؟

(التاريخ ليس هو الحوادث إنما تفسير الحوادث ومعرفة الروابط التى تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحده متماسكة الحلقات..و فهم الحوادث وتفسيرها مرتبط بإدراك مقومات النفس البشرية روحيه وفكرية ومادية وفهم مقومات الحياة الدنيا غيبيه ومادية وأدبيه..)هذه الكلمات قالها سيد قطب رحمه الله..ولعلها تساعدنا نحن أيضا بدورنا على فهم وتفسير كثير من المواقف والآراء لهذا الرجل الكبير الذى توفاه الله شهيدا يوم 20/8/1966م.

أحيانا كثيره اسأل نفسي ماذا لو لم يكن سيد قطب على هذه الموهبة الأدبية العالية المرهفه والتي شهد له بها الكافة..وكان فقط مفكرا يتعامل مع الواقع تعامل المفكرين والفلاسفة..أكان يذهب فى آرائه إلى ما ذهب.؟

أوماذا لو كان قد قدر له..أن يذهب الى العراق تلبيه لدعوه رئيسها عبد السلام عارف بعد خروجه من السجن عام 1964 م ..أما كان لهذه الرحلة إلى مجتمع جديد ومناخ جديد من اثر فى تكوين رؤى وأفكار مختلفة .كما تكونت أراء وفتاوى مختلفة للشافعي رحمه الله حين رحل من العراق إلى مصر؟

أوماذا لو أمد الله فى عمره ووافق الرئيس عبد الناصر على تخفيض الحكم من الإعدام إلى السجن كما طلب منه الكثيرون وقتها داخل مصر وخارجها..أما كان الزمن وطول التفكر يمنحانه الفرصة للمراجعه واعاده النظر فيما ذهب إليه من استنتاجات ومفاهيم ؟ وهو ما حدث مع كثير من المفكرين فى مراجعات عظيمة لما اعتقدوا فى صوابه فى فترات سابقه من حياتهم... لكن الله سبحانه أراد له أن يكون شهيدا وهو سبحانه يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير..وخلق كل شيء فقدره تقديرا ..

لا يشك أي منصف فى أن سيد قطب رحمه الله رجل تجرد لدينه تجردا مقدراً وأسلم وجهه لله وحده وهو مؤمن تماما بقوه هذا الدين و قدرته على اقامه الحياة الصحيحة فى رحاب الاستخلاف وعمارة الأرض..رجل وضع رأسه على كفه وقدم روحه رخيصة من أجل ما يؤمن به ويعتقده.قضى سنوات عمره الأخيرة سجينا يجلي الفكرة ويشرحها بقلمه وبيانه وأسلوبه كرجل صاحب موهبة ومقدره لم يختلف عليها أحد.وحقيقة الأمر أن كتبه كانت ولازالت تعطي قارئها دفعه روحية ووجدانية عظيمة الأثر لما بها من صدق وتجرد وحرارة وإخلاص.ولا بد لمن يريد أن يفهم سيد قطب أن يحيط بمراحل حياته وتطوره فيها حتى يعرف حقيقة موقفه وقناعاته التى انتهى إليها.

نفهم وندرك بوضوحٍ وجلاءٍ أن سيد قطب رحمه الله كان أديبا شفيفا ولم يكن فقيها ولا أصوليا وحين يكتب الأديب لا يكون محددا وقاطعا في كلامه ولا مطلوب منه ذلك بل يحلق فى عالم النماذج والرموز والمثل باحثا عن المعنى الأجمل والأغنى دائما..عكس الفقيه الذى لا مجال لأي لبس في ما يكتب ويقول بل يجب أن يكون واضحا ودقيقا ومحددا حتى لا تلتبس آرائه بعضها بعضا فيضل ويِضل.(بضم الياء فى الثانيه)
إذا فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيدا ندرك أن ما كتبه سيد قطب كتبه بعقل وقلب وضمير الأديب الذى يحمل في كلماته المجاز والبلاغة وجمال العبارة وعدم المباشرة حتى وهو يكتب ويفسر آيات القرآن الكريم وحتى وهو يناقش المفاهيم والمصطلحات الاسلامية.

لا شك أن المرحلة الأهم في حياة سيد قطب هى مرحلة البحث فى الإسلام والدعوة له بوصفه عقيدة ونظاما للحياة.يقيم العدالةالاجتماعية ويرفع الظلم والبؤس ويرعى حقوق الفقراء والمستضعفين..بالتشريع والتوجيه.وفى هذه الفترة – والتى أعقبت مجيئه من أمريكا - كان قد اختار الانضمام إلى دعوة الإخوان المسلمين باعتبارها الكيان الفكري المنظم الذى يمكنه استيعاب أفكاره وآراؤه فى اتجاه الدعوة والإصلاح والتبشير بهذه القيم وتسلم رئاسة قسم نشر الدعوة في الجماعة واشرف على تحرير مجلة الدعوة إلى أن سجن..وكان السجن والتعذيب والمبالغة فى الخصومة مما أثار حفيظته وألقى فى روعه الكثير من الدهشة)وطرح الكثير من الاسئله الأولى عن طبيعة ما يحدث ويجرى..وهو الأديب الرقراق الرهيف والمفكر الذى لا يكف عن وضع علامات استفهام على كل شيء حوله حتى يسكن فكره إلى فهم ما يدور.ولم تكن(الخصوم السياسية)كافيه فى حقيقة الأمر لتفسير كل هذه الدماء والأشلاء وألوان الاضطهاد والترويع التى يراها من حوله فى الزنازين وغرف التحقيق.

وقد ذكر أحد الإخوان المقربين منه وكان معتقلا معه 1965م أن الأستاذ سيد قطب عليه رحمة الله قال له: إن الذي يمثل فكري هو كتبي الأخيرة:المعالم والأجزاء الأخيرة من الظلال وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته والإسلام ومشكلات الحضارة و ما صدر له وهو في( السجن) أما الكتب القديمة فلا تمثل إلا تاريخا لا أكثر فقال له هذا الأخ: إذن أنت كالشافعي لك مذهبان:قديم وجديد والذي تتمسك به هو الجديد قال سيد رحمه الله: نعم غيرت كما غير الشافعي رضي الله عنه ولكن الشافعي غير في الفروع وأنا غيرت في الأصول!.



والحقيقه اننى أريد من خلال مقالي هذا ان أناقش موضوعين اهتم بهما سيد قطب وركز عليهما فى كل كتاباته ودراساته وشغلا الكثير من الباحثين والدارسين والكثير أيضا من أبناء الحركة الإسلاميه..وهما موضوع (الحاكميه)وموضوع(جاهلية المجتمعات) .

فكرة الحاكمية أسئ فهمها كثيرا وحملت اكثر مما يراد منها فهما وتطبيقا..فالحاكمية التي ركزعليها سيد قطب هي الحاكمية(التشريعية)والتى مفهومها أن الله سبحانه هو المشرع لخلقه وهوالذي يحل لهم ويحرم عليهم وهذا ليس من ابتكار سيد قطب ولا حتى المودودى الذى اشتهر هو أيضا بالكتابة فى هذا الموضوع كثيرا..بل هو أمر معلوم بالضرورة عند المسلمين جميعا وقررها علماء الأصول واتفق عليه أهل السنة جميعا.

(الحاكمية)التي قال بها سيد قطب والمودودى وجعلاها لله وحده لا تعني أن الله تعالى هو الذي يولي العلماء والأمراء فيحكمون باسمه بل المقصود بها(الحاكمية التشريعية)فحسب أما مصدر السلطة السياسية فهو للأمه ...الأمة هي التي تختار حكامها وهي التي تحاسبهم وتراقبهم بل وتعزلهم..وهذا الفهم عليه كثير من الضباب ويصر كثير من العلمانيين على تلبيس هذا الموضوع تلابيس خاطئة بغرض الوصول إلى النتيجة التي يريدونها من إقصاء الدين عن الحياة...فليس معنى الحاكمية الدعوة إلى دولة دينيه على الإطلاق بل هذا ما نفاه كل من سيد قطب والمودودي رحمهما الله. وهو ما أكده سيد قطب بوضوح حين قال(ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم-هم علماء الدين- كما كان الأمر في سلطان الكنيسة ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يعرف باسم الحكم الإلهي المقدس!!ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة)

والحاكمية -بهذا المعنى- لا تنفي أن يكون للبشر دور فى التشريع أذن به الله لهم إنما هي تمنع أن يكون لهم استقلال وتفرد بالتشريع من دون الله و هذا ما لايقبله اى مسلم و لايرضى به ..كالتشريع في أمر العبادات والتشريع الذي يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله ويسقط ما فرض الله.أما التشريع فيمالا نص فيه أو في المصالح المرسلة فهذا من حق المسلمين ولهذا كانت نصوص الدين في غالب الأمر كلية.. إجمالية.. لا تخوض فى التفاصيل المتغيرة بتغير الزمان والمكان والبشر وتركت مساحة كبيره مما يسميه العلماء(الفراغ التشريعي) ليتاح للناس أن يشرعوا لأنفسهم ويملئوا هذا الفراغ التشريعي -الذى أفرغ قصدا ورحمه- بما يناسبهم ويناسب تطور أمور حياتهم..

الموضوع الثاني هو فكرة(جاهلية المجتمعات)وهى الفكرة التى توسع واستطرد فيها رحمه الله إلى حدود محرجه..الى أحد أن من يقرا الظلال والمعالم قراءه كاملة لا يسعه إلا أن يصل إلى حقيقة أن المجتمعات كلها قد أصبحت(جاهلية).جاهلية السلوك وجاهلية العقيدة وهو الكلام الذى يقرب صاحبه من فكره(التكفير)بسهوله حيث أن هذه المجتمعات لم ترضَ بحاكميه الله تعالى وأشركت معه آلهة أخرى استوردت من عندهم الأنظمة والقوانين والقيم والأفكار والمفاهيم واستبدلوا بها شريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

لذلك وجب علينا أن نعرض(العقيدة)أولا حتى يؤمن الناس بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالشريعة حاكمة.مقدرا أن الإيمان الحالي فى نفوس الناس هو إيمان لفظي مجرد من تأكيدات الواقع ..وهذا هو ما أشار إليه في كتابه (المعالم) فشبه مجتمعاتنا اليوم بمجتمع مكة في عهد الرسالة!!! وعليه فالرسول لم يبدأ بالنظام والتشريع بل بدأ بالعقيدة والتوحيد.أولا..كما رأى عليه رحمة الله أنه لا معنى– فى ظل هذا الفهم-لما يطلق عليه تجديد الفقه الإسلامي أو إحياء الاجتهاد فلا فائدة على الإطلاق من ذلك كله ما دام المجتمع المسلم(غائبا)..إذ يجب أن يقوم المجتمع المسلم أولا ثم نجتهد له في حل مشكلاته في ضوء واقعنا الإسلامي.!!.هذه المقاربة فى تشخيص وفهم الواقع لم يقل بها أي من الدعاة والمصلحين من قبل ناهيك عن الأستاذ البنا نفسه والذى كان قد وضع أسس العمل الإسلامي على قاعدة أن(المجتمع مسلم) ينقصه بعض قيم وأخلاقيات الإسلام وهذا دورنا وحقه علينا ومن ثم كانت الدعوة..وان(الدولة مسلمة)ولكن عليها الاقتراب اكثر من الأحكام والتشريعات التى تقيم العدل والحرية والحياة الكريمة الآمنة لمواطنيها..ومن ثم كانت النصيحة الدائمة والتواجد القوى فى المؤسسات التشريعية والرقابية والنقابية.

أيضا رأيه رحمه الله في(الجهاد)و الذى دعى فيه إلى أن يعد المسلمون أنفسهم لقتال العالم كله!!حتى يسلموا أو يعطوا الجزية...وحجته في ذلك آيات سورة التوبة وما سماه بعضهم (آية السيف)ولم يقف عند آيات كثيرة تقصر القتال على من يقاتلنا وتمنعنا عمن لم يقاتلنا بل ودعوتنا إلى البروالقسط مع المخالفين لنا إذا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على إخراجنا.كما تنص الآيات. ويقول الشهيد رحمه الله فى ذلك:( إننا لا نفرض على الناس عقيدتنا إذ لا إكراه في الدين وإنما نفرض عليهم نظامنا وشريعتنا ليعيشوا في ظله وينعموا بعدله.) وهذا كلام يبدو غريبا إذ ماذا نقول الناس إذا رفضوا وقالوا:نحن أحرار في اختيار النظام الذي نرضاه لأنفسنا فلماذا تفرضون علينا نظامكم بالقوة؟!.هل نقاتلهم ونعلن عليهم الحرب ؟؟ثم كيف نرضى لهم اختيار عقيدتهم وفق قاعدة(لا إكراه فى الدين) و نكرههم على اتباع طرق وأساليب حياه محدده .. لم يذهب إلي ذلك أحد من العلماء و الفقهاء .. ناهيك عن أن التاريخ لم يرد فيه مثل ذلك.



كان الرجل رحمه الله مخلصا غاية الإخلاص في مقاصده وتوجهاته..مأجورا إن شاء الله في اجتهاده كون الإسلام كان مرجعه ومقصده.ليس هذا فحسب بلو نحسب أن الرجل كان كله للإسلام...عاش للإسلام ومات في سبيل الإسلام ...فرضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..وغفر الله له ما نعتقد أنه أخطأ فيه وله أجر المجتهدين الصادقين ..

" رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (الحشر10)

إسلام أون لاين





0 التعليقات:

إرسال تعليق