الجزائر المنشودة المعادلة المفقودة ..الإسلام، الوطنية،الديمقراطية

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن من أهم ما خلفه الشيخ محفوظ نحناح كتاب 
الجزائر المنشودة  المعادلة المفقودة
 ..الإسلام، الوطنية،الديمقراطية

و هو من تراث جماعتنا
و لتحميله إضغط 



و كعادتنا مكتبة الدعوة و التغيير تأتيكم دائما بالجديد





اقرأ المزيد »

رسالة النظام الإقتصادي


من رسائل الإمام الشهيد حسن البنا
رحمه الله


رسالة النظام الإقتصادي
كتبت تحت عنوان (مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي) عدة كلمات سالفة بينت فيها أن نظام الحكم الإسلامي يعتمد على قواعد ثلاث :
 أ ـ مسؤولية الحاكم
ب ـ احترام إرادة الأمة
ج ـ والمحافظة على وحدتها
وإن من حسن الحظ أن هذه هي أيضا دعائم النظام النيابي الحديث الذي اخترناه لأنفسنا , كما بينت أننا لم نطبق هذا النظام ولا ذاك تطبيقا صحيحا , وبذلك اضطربت الأمور تبعا لذلك , فإن هذا المر اصل وما عداه تابع له : (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله , ألا وهي القلب ) , الحكومة ولا شك قلب الإصلاح الاجتماعي كله , فإذا فسدت أوضاعها فسد الأمر كله وإذا صلحت صلح المر كله ... وقد أهبت بالقائمين أن يبادروا بالإصلاح , وأن يعودوا إلى الإسلام الحنيف جماع الخير ليهتدوا بهديه ويسيروا على ضوئه , وبغير ذلك لا يمكن أن نظفر بالإصلاح الحقيقي .
 وهنا أتناول (وضعنا الاقتصادي) بمثل هذا البيان ، رجاء أن تجد هذه الكلمات المخلصة آذاناً مصغية ، وقلوباً واعية ، تستشعر الخطر وتعمل على تلافيه ، من قبل أن يستشري الداء ، ويعز الدواء ، ويتسع الخرق على الراقع ...ولا يحرك النفوس ويثير الخواطر ، ويؤلم المشاعر شئ كالضائقة المالية ، تأخذ بخناق الجماهير فتحول بينهم وبن الحصول على ضروريات الحياة فضلاً عن كماليتها .. ولا أزمة أعنف من أزمة الرغيف ، ولا عضة أقوى من عضة الجوع والمسغبة .. ولا حاجة أشد من حاجة القوت ، وطالب القوت ما تعدى . دخلت الجارية على محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ، فقالت : يا سيدي فني الدقيق . فقال : قاتلك الله ! أذهبت من رأسي أربعين مسألة.

وهناك حقائق لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يتجاهلها منها :

غنى الطبيعة
إن هذا البلد ليس فقيراً ، بل لعله أغنى بلاد الله تبارك وتعالى بخيراته الطبيعية ، وثرواته المختلفة من زراعية ومائية وحيوانية ومعدنية ، ونيله العجيب ، وواديه الخصيب ، وما شئت من فضل الله تبارك وتعالى على مصر وأهل مصر منذ القدم : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) (البقرة:61) .

فساد اقتصادي
ومنها أن الأجانب الذين احتلوا هذا الوطن بغفلة من أهله , وتساهل من حكامه , وظلم من غاصبيه , أسعد حالا من أهله وبنيه , وأنهم قد وضعوا أيديهم على أفضل منابع الثروات فيه, شركات أو أفرادا , فالصناعة والتجارة , والمنافع العامة , والمرافق الرئيسية , كلها بيد هؤلاء الأجانب حقيقة ,أو الأجانب الذين اتخذوا من الجنسية المصرية شعارا ومازالوا يحنون بعد إلى أوطانهم ويؤثرونها بأكبر أرباحهم , ..وإن كثيرا مازال ينظر إلى المواطن المصري , والعامل المصري , والحاكم المصري نظرة لا تقدير فيها ولا إنصاف.

ثراء فاحش وفقر مدقع
ومنها أن التفاوت عظيم ، والبون شاسع ، والفرق كبير ، بين الطبقات المختلفة في هذا الشعب ، فثراء فاحش وفقر مدقع ، والطبقة المتوسطة تكاد تكون معدومة ، والذي نسميه نحن الطبقة المتوسطة ليس إلا من الفقراء المعوزين وإن كنا نسميهم متوسطين ، على قاعدة : بعض الشر أهون من بعض . ورحم الله فقهاءنا الذين حبَّروا البحوث الطويلة في الفرق بين الفقراء والمساكين وإن كلاهما من المحتاجين البائسين .

تخبط اقتصادي
ومنها وهو الأهم ، أننا في وسط هذا المعترك الحاد الصاخب العنيف بين المبادئ الاقتصادية، من رأسمالية أو اشتراكية أو شيوعية ، لم نحدد لوناً نصبغ به حياتنا الاقتصادية , في وقت تحتم فيه التحديد ، وتعقدت فيه الأمور ، بحيث لم تعد تنفع فيها أنصاف الحلول ، ولم يعد يجدي إلا الوضوح الكامل ، وتحديد الأهداف تحديداً دقيقاً ، والسير إليها في قوة وعزيمة .
وهذه الأوضاع ، وإن امتزجت بها المعاني السياسية ، إلا أنها في أغلب صورها ودوافعها ونتائجها تعاليم وأوضاع اقتصادية ، ولهذا لا بد لنا من أن نختار لوناً من هذه الألوان أو من غيرها إن استطعنا ، لنعيش في حدود وضع معلوم له خصائصه ومميزاته ، يحدد أهدافنا الرئيسية ، ويرسم لنا طريق العمل للوصول إلى هذه الأهداف .

إلى الإســلام
وأعتقد أنه لا خير لنا في واحد من هذه النظم جميعاً ، فلكل منها عيوبه الفاحشة ، كما له حسناته البادية ، وهى نظم نبتت في غير أرضنا لأوضاع غير أوضاعنا ، ومجتمعات فيها غير ما في مجتمعنا ... فضلاً عن أن بين أيدينا النظام الكامل الذي يؤدى إلى الإصلاح الشامل في توجيهات الإسلام الحنيف ، وما وضع للاقتصاد قواعد كلية أساسية لو علمناها وطبقناها تطبيقاً سليماً ، لانحلت مشكلاتنا ، ولظفرنا بكل ما في هذه النظم من حسنات ، وتجنبنا كل ما فيها من سيئات ، وعرفنا كيف يرتفع مستوى المعيشة وتستريح كل الطبقات ، ووجدنا أقرب الطرق إلى الحياة الطيبة .


قواعد النظام الاقتصادي في الإسلام
قدمت في الكلمة السابقة أن مصر تتقاذفها الألوان الاقتصادية وتتضارب فيها النظم والآراء العصرية , من رأسمالية أو اشتراكية أو شيوعية , وأن من الخير كل الخير أن تبرأ مصر من هذه الألوان كلها ، وأن تركز حياتها الاقتصادية على قواعد الإسلام وتوجيهاته العليا ، وتستمد منه وتعتمد عليه ، وذلك تسلم من كل ما يصحب هذه الآراء من أخطاء وما يلصق بها من عيوب عليه ، وبذلك تسلم من كل ما يصحب هذه الآراء من أخطاء ، وما يلصق بها من عيوب ، وتنحل مشاكلنا الاقتصادية من أقصر طريق .
ويتلخص نظام الإسلام الاقتصادي في أهمها :
1 - اعتبار المال الصالح قوام الحياة ، ووجوب الحرص عليه ، وحسن تدبيره وتثميره.
2 - إيجاب العمل والكسب على قادر.
3 - الكشف عن منابع الثروات الطبيعية ، ووجوب الاستفادة من كل ما في الوجود من قوى ومواد.
4 - تحريم موارد الكسب الخبيث.
5 - تقريب الشقة بين مختلف الطبقات ، تقريباً يقضى على الثراء الفاحش والفقر المدقع .
6 – الضمان الاجتماعي لكل مواطن , وتأمين حياته , والعمل على راحته وإسعاده.
7 - الحث على الإنفاق في وجوه الخير ، وافتراض التكافل بين المواطنين ، ووجوب التعاون على البر والتقوى .
8 - تقرير حرمة المال ، واحترام الملكية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة.
9 - تنظيم المعاملات المالية بتشريع عادل رحيم ، والتدقيق في شؤون النقد.
10 - تقرير مسؤولية الدولة في حماية هذا النظام .
والذي ينظر في تعاليم الإسلام ، يجد فيه هذه القواعد مبينة في القرآن الكريم والسنة المطهرة وكتب الفقه الإسلامي بأوسع بيان .

المال الصالح قوام الحيــاة
فقد امتدح الإسلام المال الصالح ، وأوجب الحرص عليه وحسن تدبيره وتثميره ، وأشاد بمنزلة الغنى الشاكر الذي يستخدم ماله في نفع الناس ومرضاة الله ، وليس في الإسلام هذا المعنى الذي يدفع الناس إلى الفقر والفاقة من فهم الزهد على غير معناه .
وما ورد في ذم الدنيا والمال والغنى والثروة إنما يراد به ما يدعو إلى الطغيان والفتنة والإسراف , ويستعان به على الإثم والمعصية والجور وكفران نعمة الله  ، وفى الحديث (نعم المال الصالح للرجل الصالح) ، وفى الآية الكريمة : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء:5).
وفى ذلك الإشارة إلى أن الأموال قوام الأعمال ، وقد نهى رسول الله e عن إضاعة المال في غير وجهه ، فقال : (إن الله ينهاكم عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال) كما أن من مات مدافعا عن ماله فهو شهيد كما جاء في الحديث : (من مات دون عرضه فهو شهيد ، ومن مات دون ماله فهو شهيد...) الحديث .

العمل على كل قادر
وفى الإسلام الحث على العمل والكسب ، واعتبار الكسب واجباً على كل قادر عليه , والثناء كل الثناء على العمال والمحترفين ، وتحريم السؤال ، وإعلان أن من أفضل العبادة العمل ، وأن العمل من سنة الأنبياء ، وأن أفضل الكسب ما كان من عمل اليد ، والزراية على أهل البطالة ، والذين هم عالة على المجتمع مهما كان سبب تبطلهم ، ولو كان الانقطاع لعبادة الله . فإن الإسلام لا يعرف هذا الضرب من التبطل .. والتوكل على الله إنما هو الأخذ في الأسباب وأيضاً بالنتائج ، فمن فقد أحدهما فليس بمتوكل .. والرزق المقدور مقرن بالسعي الدائب ، والله تبارك وتعالى يقول : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) . ويقول الرسول e : (ما أكل أحد طعاماً قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) , ويقول عمر : (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول اللهم ارزقني ، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة) , وفى الحديث : (ولا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) .

الكشف عن منابع الثروات
كما أن فيه لفت النظر إلى في الوجود من منابع الثروة ومصادر الخير ، والحث على العناية بها ووجوب استغلالها ، وأن كل ما في هذا الكون العجيب مسخر للإنسان ليستفيد منه وينتفع به , (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان:20) , (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (الجاثـية:13) . ومن قرأ آيات القرآن الكريم ، علم تفصيل ذلك بأوسع بيان وأوفاه .

تحريم الكسب الخبيث
ومن تعاليمه : تحريم موارد الكسب الخبيثة ، وتحديد الخبث في الكسب بأنه ما كان بغير مقابل من عمل : كالربا والقمار واليناصيب ونحوها ، أو كان بغير حق : كالنصب والسرقة والغش ونحوها . أو كان عوضاً لما يضر : كثمن الخمر والخنزير والمخدر ونحوها . فكل هذه موارد للكسب لا يبيحها الإسلام ، ولا يعترف بها .

التقريب بين الطبقات
وقد عمل الإسلام على التقريب بين الطبقات بتحريم الكنز ومظاهر الترف على الأغنياء ، والحث على رفع مستوى المعيشة بين الفقراء ، وتقرير حقهم في مال الدولة ومال الأغنياء ، ووصف الطريق العملي لذلك .
وأكثر من الحث على الإنفاق في وجوه الخير والترغيب في ذلك ، وذم البخل والرياء والمنّ والأذى ، وتقرير طريق التعاون والقرض الحسن ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى ورجاء ما عنده : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2).

حرمة المال واحترام الملكيات
وقرر حرمة المال ، واحترام الملكية الخاصة ما دامت لا تتعارض مع المصلحة العامة : (كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله) .. و (لا ضرر ولا ضرار) .

تنظيم المعاملات المالية
وشرع تنظيم المعاملات المالية في حدود مصلحة الأفراد والمجتمع ، واحترام العقود والالتزامات ، والدقة في شؤون النقد والتعامل به ، حتى أفردت له أبواب في الفقه الإسلامي تحرم التلاعب فيه كالصرف ونحوه ولعل هنا موضعاً من مواضع الحكمة في تحريم استخدام الذهب والفضة باعتبارهما الرصيد العالمي للنقد .

الضمان الاجتماعي
وقرر الضمان الاجتماعي لكل مواطن ، وتأمين راحته ومعيشته كائناً من كان ، مادام مؤدياً لواجبه ، أو عاجزاً عن هذا الأداء بسبب قهري لا يستطيع أن يتغلب عليه . ولقد مر عمر على يهودي يتكفف الناس ، فزجره واستفسر عما حمله على السؤال ، فلما تحقق من عجزه رجع على نفسه باللائمة وقال له : (ما أنصفناك يا هذا ، أخذنا منك الجزية قوياً وأهملناك ضعيفاً ، افرضوا له من بيت المال ما يكفيه).
وهذا مع إشاعة روح الحب والتعاطف بين الناس جميعاً .

مسؤولية الدولة
وأعلن مسؤولية الدولة عن حماية هذا النظام , وعن حسن التصرف في المال العام , تأخذه بحقه وترفه بحقه , وتعدل في جبايته , , ولقد قال عمر ما معناه : (إن هذا المال مال الله , وأنتم عباده , وليصلن الراعي بأقصى الأرض قسمه من هذا المال وإنه ليرعى في غنمه , ومن غَلّ غلّ في النار).

استغلال النفوذ .. من أين لك هذا ؟
كما حظر الإسلام استخدام السلطة والنفوذ ، ولعن الراشي والمرتشي والرائش , وحرم الهدية على الحكام والأمراء ، وكان عمر يقاسم عمّاله ما يزيد عن ثرواتهم ، ويقول لأحدهم : (من أين لك هذا ؟ إنكم تجمعون النار وتورثون العار) ، وليس للوالي من مال الأمة إلا ما يكفيه ، وقد قال أبو بكر لجماعة المسلمين حين ولي عليهم : (كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم ، وأنا الآن احترف لكم ، فافرضوا لي من بيت مالكم) , ففرض له أبو عبيدة قوت رجل من المسلمين ليس بأعلاهم ولا بأوكسهم ، وكسوة الشتاء وكسوة الصيف ، وراحلة يركبها ويحج عليها ، وقُوُّمت هذه الفريضة بألفي درهم .. ولما قال أبو بكر : لا يكفيني ، زادها له خمسمائة وقُضي الأمر .

تلك هي روح النظام الاقتصادي في الإسلام , وخلاصة قواعده أوجزناها منتهى الإيجاز ، ولكل واحدة منها تفصيل يستغرق مجلدات ضخاماً ، ولو اهتدينا يهديها وسرنا على ضوئه لوجدنا في ذلك الخير الكثير .


استقلال النقد
ذكرنا بعض الأصول التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الإسلامي , والروح التي تمليها علينا تلك الأصول , التي تنتج مع التطبيق الصحيح وضعا اقتصاديا سليما ليس أفضل منه , فهي توجب استقلال نقدنا , واعتماده على رصيد ثابت من مواردنا ومن ذهبنا , لا على أذونات الخزانة البريطانية ودار الضرب البريطانية والبنك الأهلي البريطاني – وإن كان مقره مصر – وتأمل الآية الكريمة : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء:5) .
ومن أفظع التغرير بهذا الشعب , أن يسلم جهوده ومنتجاته نظير أوراق لا قيمة لها إلا بالضمان الإنجليزي , وإن مصر إذا حزمت أمرها , وأحكمت تصرفاتها , ستصل ولا شك إلى هذا الاستقلال ... ولقد انفصلنا عن الكتلة الإسترلينية , وفكرنا في تأميم البنك الأهلي , وطالبنا بالديون التي لنا على الإنجليز , وكل هذه ونحوها مشروعات تؤمن النقد المصري ... فماذا فعل الله بها؟ وماذا أعددنا العدة لإنقاذها؟
لعل من المفارقات أن أكتب هذه الكلمات في الوقت الذي يذاع فيه أن المفاوضات بين مصر وإنجلترا حول الأرصدة الإسترلينية باءت أو قاربت أن تبوء بالفشل , لتعنت الإنجليز وتمسكهم بألا يدفعوا لمصر عن سنة 1948 أكثر من 12 مليونا , في الوقت الذي تطلب فيه مصر طلبا متواضعا هو 18 مليونا.
ولقد أنتج ضعف الرقابة على النقد , والاستهانة بأمره استهانة بلغت حد الاستهتار , هذه المآسي التي نصطلي بنارها من التضخم الذي استتبع غلاء المعيشة , وصعوبة الاستيراد والتصدير.
ولم يحدث في تاريخ الدول الراقية فيما نعلم أن بنكا يستغل قرارا من وزير هذا الاستغلال الشائن , كما فعل ذلك البنك الأهلي بقرار من وزير المالية غير الموقع عليه من أحد في يونيو سنة 1916 , فيصدر بمقتضاه من الأوراق ما يشاء .

تمصير الشركات
كما توجب هذه الأصول الاهتمام الكامل بتمصير الشركات , وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل رؤوس الأموال الأجنبية كلما أمكن ذلك , وتخليص المرافق العامة – وهي أهم شيء للأمة – من يد غير أبنائها , فلا يصح بحال أن تكون الأرض والبناء والنقل والماء والنور والمواصلات الداخلية والنقل الخارجي حتى الملح و الصودا .. في يد شركات أجنبية تبلغ رؤوس أموالها وأرباحها الملايين من الجنيهات , لا يصيب الجمهور الوطني ولا العامل الوطني منها إلا البؤس والشقاء والحرمان .

استغلال منابع الثروة
واستغلال منابع الثروة الطبيعية استغلالاً سريعاً منتجاً ، أمر يوجبه الإسلام ، الذي لفت كتابه أنظارنا إلى آثار رحمة الله في الوجود ، وما أودع في الكون من خيرات في الأرض وفى السماء ، وأفاض في أحكام الركاز ، وحث على طلب الخير أينما كان . في الماء عندنا ثروات ، وفى الصحاري ثروات ، وفى كل مكان ثروات ، لا ينقصها إلا فكر يوجه ، وعزيمة تدفع ، ويد تعمل ، وخذ بعد ذلك من الخير ما تشاء : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ , وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:27-28) ، والعلماء هنا فيما يظن الذين يعلمون علم الكائنات وما فيها للناس من خير ، وما يتجلى في دقيق صنعها من واسع علم الله خالق الأرض والسموات .
والعناية بالمشروعات الوطنية الكبرى المهملة التي طال عليها الأمد ، وقعد بها التراخي والكسل ، أو أحبطتها الخصومة الحزبية أو طمرتها المنافع الشخصية ، أو قضت عليها الألاعيب السياسية والرشوة الحرام ، كل هذه يجب أن تتوجه إليها الهمم من جديد : (إن الله يحب من أحدكم إذا عملَ عملاً أن يتقنه) .
كم كنا نربح لو أن مشروع خزان أسوان تحقق فعلا منذ سنة 1937 , وكم كنا نحتاج ونعرى لو لم يلهم الله طلعت حرب - عليه الرضوان – أن يتقدم بمشروعات (المحلة) .
هناك مشروعات كثيرة درست وبحثت ، ثم وضعت على الرف وطال عليها الأمد قبل الحرب ، ولا موجب لهذا الإهمال ، والضرورة قاسية والحاجة ملحة ، والأمر لا يحتمل التأخير .
انفضوا الغبار عن ملفات هذه المشروعات واستذكروها من جديد ونفذوا : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105) .

الصناعـة
والتحول إلى الصناعة فوراً من روح الإسلام الذي يقول نبيه e : (إن الله يحب المؤمن المحترف) , (من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له) . والذي أثنى كتابه على داود وسليمان بهذا التقدم الصناعي ، وذكر لنا من دقائق الرقى فيه ما أعجز البشر ، واستغل قوى الجن والشيطان  ..
حرام على الأمة التي تقرأ في كتابها من الثناء على داود عليه السلام : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ , أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (سـبأ:10-11) ، وتقرأ : (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (الأنبياء:80) , ثم لا يكون فيها مصنع للسلاح .
ثم تقرأ في كتابها : (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ , يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً) (سـبأ:12-13) .. ثم لا يكون فيها مسبك عظيم , ولا مصنع كامل للأدوات المعدنية .
ثم تقرأ : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (الحديد:25) .. ثم تهمل ما عندها من هذا المعدن هذا الإهمال ، وهو من أجود الأنواع ويكفي العالم مائتي عام كما قدر الخبراء ...
حرام هذا كله !!!

نظام الملكيات في مصر
عرضت في الكلمة السابقة لبعض صور التطبيق التي تمليها علينا قواعد النظام الإسلامي الاقتصادي , وأعرض في هذه الكلمة لبعض الصور التي تمليها هذه القواعد أيضا في صميم الإصلاح الاقتصادي القومي .
توجب علينا روح الإسلام الحنيف ، وقواعده الأساسية في الاقتصاد القومي ، أن نعيد النظر في نظام الملكيات في مصر , فنختصر الملكيات الكبيرة , ونعوض أصحابها عن حقهم بما هو أجدى عليهم وعلى المجتمع , ونشجع الملكيات الصغيرة ، حتى يشعر الفقراء المعدمون بأنه قد أصبح لهم في هذا الوطن ما يعنيهم أمره ، ويهمهم شأنه .. وأن نوزع أملاك الحكومة حالاً على هؤلاء الصغار كذلك حتى يكبروا .

تنظيم الضرائب
وتوجب علينا روح الإسلام في تشريعه الاقتصادي ، أن نبادر بتنظيم الضرائب الاجتماعية ، وأولها الزكاة ، وليس في الدنيا تشريع فرض الضريبة على رأس المال لا على الربح وحده كالإسلام ، وذلك لحكم جليلة منها : محاربة الكنز وحبس الأموال عن التداول ، وما جعلت الأموال إلا وسيلة لهذا التداول الذي يستفيد من ورائه كل الذين يقع في أيديهم هذا المال المتداول ..
وإنما جعل الإسلام مصارف الزكاة اجتماعية بحتة لتكون سبباً في جبر النقص والقصور الذي لا تستطيع المشاعر الإنسانية والعواطف الطيبة أن تجبره ، فيطهر بذلك المجتمع ويزكو ، وتصفو النفوس وتسمو : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة:103).
فلا بد من العناية بفرض ضرائب اجتماعية على النظام التصاعدي – بحسب المال لا بحسب الربح – يعفى منها الفقراء طبعاً ، وتجبى من الأغنياء الموسرين وتنفق في رفع مستوى المعيشة بكل الوسائل المستطاعة .. ومن لطائف عُمر رضى الله عنه ، أنه كان يفرض الضرائب الثقيلة على العنب لأنه فاكهة الأغنياء ، والضريبة التي لا تذكر على التمر لأنه طعام الفقراء , فكان أول من لاحظ هذا المعنى الاجتماعي في الحكام والأمراء رضى الله عنه.

محاربة الربا
ويوجب علينا روح الإسلام أن نحارب الربا حالاً ، ونحرمه ونقضي على كل تعامل على أساسه : (ألا وإن الربا موضوع ، وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب) وصدق رسول الله .
ولقد كان المصلحون يتجنبون أن يقولوا في الماضي هذا الكلام حتى لا يقال لهم إن هذا مستحيل وعليه دولاب الاقتصاد العالمي كله , أما اليوم .. فقد أصبحت هذه الحجة واهية ساقطة لا قيمة لها بعد أن حرمّت روسيا الربا وجعلته أفظع المنكرات في دارها ,وحرام أن تسبقنا روسيا الشيوعية إلى هذه المنقبة الإسلامية , فالربا حرام ... حرام ... حرام وأولى الناس بتحريمه أمم الإسلام ودول الإسلام .

تشجيع الصناعات المنزلية
وتوجب علينا روح الإسلام تشجيع الصناعات اليدوية المنزلية ، وهذا هو باب الإسعاف السريع لهذه العائلات المنكوبة ، وباب التحول إلى الروح الصناعي والوضع الصناعي .. وأول ما تفعله هذه الأيدي العاطلة ، الغزل والنسيج بالأنوال الصغيرة ، وصناعة الصابون ، وصناعة العطور والمربيات ، وأنواع كثيرة من صنوف كبيرة تستطيع النساء والبنات والأولاد أن يشغلوا الوقت فيها ، فتعود بالربح الوفير ، وتمنعهم بؤس الحاجة وذل السؤال ..
وقد رأينا هذا بأعيننا منذ زمن في (فوه)-غربية , و(بني عدي) – منفلوط , وغيرها من بلدان القطر المصري ، ورأينا في هذه البلاد الثروة والغنى ويسر الحال .ولقد كانت وزارة الشئون قد فكرت في هذا المشروع الحيوي , واستحضرت أصنافا من المغازل , ولا ندري ماذا فعل الله بها ... ويوم الحكومة بسنة كما يقولون , ولكن الأمر لم يعد يحتمل الانتظار

تقليل الكماليات والاكتفاء بالضروريات
وإرشاد الشعب إلى التقليل من الكماليات والاكتفاء بالضروريات ، وأن يكون الكبار في ذلك قدوة للصغار ، فتبطل هذه الحفلات الماجنة ، ويحرم هذا الترف والإسراف الفاسد ، وظهور الجسد بخشونته وعبوسته ووقاره وهيبته على الدور والقصور والوجوه والمنتديات .. أمر يحتمه الإسلام الحنيف ، وكل ذلك يحتاج إلى إعداد .
هذه كلها واجبات لابد أن تنهض بأعبائها حالاً .. فإلى العمل .

وبعد ...
فهنا نحن قد رأينا مما تقدم كيف أننا لم نسر على نظام اقتصادي معروف لا نظرياً ولا عملياً ، وأن هذا الغموض والارتجال قد أدَّّيا بنا إلى ضائقة أخذت بمخانق الناس جميعاً .
وليس الشأن أن نرتجل الحلول ، ونواجه الظروف ، بالمخدرات والمسكنات التي يكون لها من رد الفعل ما ينذر بأخطر العواقب ، ولكن المهم في أن ننظر إلى الأمور نظرة شاملة محيطة ، وأن نردها إلى أصل ثابت تستند إليه ، وترتكز علي . وليس ذلك الأمر إلا (النظام الإسلامي) الشامل الدقيق ، وفيه خير السداد .
لقد أتاح الله لنا من أسباب اليسر الاقتصادي ، والنجاح المادي ما لم يتجه لغيرنا من الأمم والشعوب ، فهذه الرابطة الوثيقة من اللغة والعقيدة والمصلحة والتاريخ بيننا وبين أمم العروبة والإسلام ، وهى بحمد الله أغنى بلاد الله في أرضه ، أخصبها تربة ، وأعدلها جواً ، وأكثرها خيرات ، وأثراها بالمواد الأولية وبالخامات من كل شئ ..
هذه الرابطة ، تمهد لنا – لو أحسنا الانتفاع بها – سبيل الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي ، وتنقذنا من هذا التحكم الغربي في التصدير والاستيراد وما إليهما .
ولا يكلفنا الأمر أكثر من أن نعزم ونتقدم ، ونقوي الصلة ، ونحكم الرابطة ، ونوالي البعثات والدراسات ، ونحاول بكل سبيل إنشاء أسطول تجارى ، ونشيع روح الوحدة والتعاون بيننا وبين أمم العروبة وشعوب الإسلام .
لقد صبر الشعب المصري صبراً طويلاً على هذه الحياة الجافية القاسية ، وهذا الحرمان العجيب الذي لا يصبر عليه آدمي إلا بمعجزة من معجزات الإيمان ، ومن نظر إلى العامل المصري والفلاح المصري ومن إليهما من عامة الشعب المصري ، أخذه العجب مما يشاهد من فاقة وصبر .
لقد أخجلني أحد الإخوان الهنود وقد قدم من إنجلترا , حين عاد من جولة قصيرة في القاهرة ، يقول لي : لقد كنا نظن أن ما تنشره الصحف في إنجلترا من سوء حالة الشعب المصري ، وانخفاض مستوى معيشته ، مجرد دعاية يراد بها الحطّ من كرامته ولكنى قضيت هذه الفترة القصيرة في القاهرة وزرت بعض أحياء عامتها فأسفت لما رأيت فخجلت لقوله هذا , ولكنني رددت عن نفسي وعن الشعب بقولي له: سل هذه الجرائد التي تنشر , أليس هذا البؤس من مظالم الاحتلال؟
وتألمت مرة ثانية حين وجه إليّ مدير شركة أجنبي قوله : أأنت راضٍ عن حال هؤلاء العمال المساكين ؟! ولكنني رددت عليه أيضا : أولست تعلم أن السبب في هذه المسكنة استئثار هذه الشركات وبخلها على هؤلاء العمال بما يوازي ضروريات الحياة؟!   
إن الأمر جدٌ لا هزل فيه ، وقد بلغ غايته ، ووصل إلى مداه ، ولا بد من علاج حاسم وسريع ، ولن نجده كما قلت إلا في طب الإسلام الحنيف وعلاجه
فيا رئيس الحكومة ، ويا رؤساء الهيئات والجماعات ، ويا من يعنيهم أمر الطمأنينة والسلام في هذا الوطن ..
تداركوا الأمر بحزم ... وعودوا إلى نظام الإسلام ..
ألا قد بلغت .. اللهم فاشهد ..
                                                                  حسـن البنــا
اقرأ المزيد »

رسالة التعاليم


من رسائل الإمام الشهيد حسن البنا
رحمه الله


رسالة التعاليم

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
الحمد لله والصلاة و السلام على إمام المتقين وقائد المجاهدين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات ، وهي ليست دروساً تحفظ ، ولكنها تعليمات تنفذ , فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) , (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) .

أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومحاضرات ,  وكتب ومقالات , ومظاهر وإداريات , ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات , وكلا وعد الله الحسنى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسـن البنـا



أيها الإخوان الصادقون

أركان بيعتنا عشر فاحفظوها:
الفهم و الإخلاص و العمل و الجـهــاد و التضحية و الطاعة و الثبات و التجرد و الأخـوَّة و الثقة .

إنما أريد بالفهم :
أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة  و أن تفهم الإسلام كما نفهمه , في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز :

1 - الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء .

2 - والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام ، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف ، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات .

3 - وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده ، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية , ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه.

4 - والتمائم والرقي والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب , وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة .

5 - ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه ، وفيما يحتمل وجوها عدة وفي المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية , وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات , و الأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني , وفي العاديات الالتفات إلى الأسرار و الحكم و المقاصد .

6 - وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم , وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه , و إلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع ، ولكنا لا نعرض للأشخاص ـ فيما اختلف فيه ـ بطعن أو تجريح , ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا .

7 - ولك مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين ، ويحسن به مع هذا الإتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته ، وان يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته , وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر .
8 - والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين , ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره , ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة , من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب .
9 - وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا , ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع , والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد ، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف , ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة .
10 - ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام ، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه , نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل , ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء , ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران:7)
.

11 - وكل بدعة في دين الله لا أصل لها ـ استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ـ ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها .

12 - والبدعة الإضافية والتَّركِية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي , لكل فيه رأيه , ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان .

13 - ومحبة الصالحين و احترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى , والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) , والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية , مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم .

14 - وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة , ولكن الاستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشيد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها , ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة .

15 - والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة .

16 - والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية , بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها , والوقوف عندها , كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين , فالعبرة المسميات لا بالأسماء .

17 - والعقيدة أساس العمل , وعمل القلب أهم من عمل الجارحة , وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب .

18 - والإسلام يحرر العقل , ويحث على النظر في الكون , ويرفع قدر العلم والعلماء , ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .

19 - وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر , ولكنهما لن يختلفا في القطعي , فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة ، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي , فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار .

20 - ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ برأي أو بمعصية ـ إلا إن أقر بكلمة الكفر , أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة , أو كذب صريح القرآن , أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال , أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر .

و إذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول , فقد عرف معنى هتافه دائما (القرآن دستورنا و الرسول قدوتنا) .


و أريد بالإخلاص :
أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله , وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر , وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة , لا جندي غرض و منفعة , (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) , و بذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا) و (الله أكبر ولله الحمد) .


و أريد بالعمل :
ثمرة العلم والإخلاص : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) .
 و مراتب العمل المطلوبة من اللأخ الصادق :

1 – إصلاح نفسه حتى يكون : قوي الجسم , متين الخلق , مثقف الفكر , قادرا على الكسب , سليم العقيدة , صحيح العبادة , مجاهدا لنفسه , حريصا على وقته , منظما في شؤونه , نافعا لغيره , وذلك واجب كل أخ على حدته .

2- وتكوين بيت مسلم , بان يحمل أهله على احترام فكرته , والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية , وحسن اختيار الزوجة , و توقيفها على حقها و واجبها , وحسن تربية الأولاد , والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام , وذلك واجب كل أخ على حدته كذلك .

3 – وإرشاد المجتمع , بنشر دعوة الخير فيه , ومحاربة الرزائل و المنكرات , و تشجيع الفضائل , والأمر بالمعروف , والمبادرة إلى فعل الخير , وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية , وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما , وذلك واجب كل أخ على حدته , و واجب الجماعة كهيئة عاملة .

4 – وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي ـ غير إسلامي ـ سياسي أو اقتصادي أو روحي .

5 - وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق , وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة و أجير عندها و عامل على مصلحتها , والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان , وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه 0
ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة و لا عبرة بالشكل الذي تتخذه و لا بالنوع , مادام موافقا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي .

ومن صفاتها : الشعور بالتبعية , والشفقة , على الرعية , و العدالة بين الناس , والعفة عن المال العام , والاقتصاد فيه .
ومن واجباتها : صيانة الأمن , وإنفاذ القانون , ونشر التعليم , وإعداد القوة , وحفظ الصحة , ورعاية المنافع العامة , وتنمية الثروة , وحراسة المال , وتقوي الأخلاق , ونشر الدعوة .
ومن حقها - متى أدت واجبها - : الولاء والطاعة , والمساعدة بالنفس والأموال .
 فإذا قصرت : فالنصح والإرشاد ، ثم الخلع والإبعاد ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

6 - إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية , بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها , حتى يؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة .

7 – و أستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ) (لأنفال:39) , (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32) .

وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدة وعلى كل أخ باعتباره عضوا في الجماعة , وما أثقلها تبعات وما أعظمها مهمات , يراها الناس خيالا ويراها الأخ المسلم حقيقة , ولن نيأس أبدا , ولنا في الله أعظم الأمل (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21) .



و أريد بالجهاد
الفريضة الماضية إلى يوم القيامة و المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية ) , وأول مراتبه إنكار القلب , وأعلاها القتال في سبيل الله , وبين ذلك جهاد اللسان و القلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر , ولا تحيا دعوة إلا بالجهاد , وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها , وبقدر سمو الدعوة و سعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها , وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها , و جزالة الثواب للعاملين:(وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (الحج:78) .
وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم : (الجهاد سبيلنا) .


وأريد بالتضحية :
بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية , وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه , ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية , وإنما هو الجر الجزيل و الثواب الجميل ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم : (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) الآية , (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ..) الآية , (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ) الآية ,( فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً) , وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم : (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)  .

وأريد بالطاعة :
امتثال الأمر وإنفاذه توا في العسر و اليسر و المنشط و المكره , و ذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث :
1 – التعريف : بنشر الفكرة العامة بين الناس , ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية , و مهمتها العمل للخير العام و وسيلتها الوعظ و الإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى , إلى غير ذلك من الوسائل العملية , وكل شعب الإخوان القائمة الآن تمثل هذه المرحلة من حياة الدعوة , و ينظمها القانون الأساسي , وتشرحها وسائل الإخوان و جريدتهم , والدعوة في هذه المرحلة عامة .
ويتصل بالجماعة فيها كل من أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها , وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم و المبادئ العامة للجماعة .
2 - التكوين : باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض , و نظام الدعوة – في هذه المرحلة – صوفي بحت من الناحية الروحية , وعسكري بحت من الناحية العملية , وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج , وتمثل الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة , وتنظمها رسالة المنهج سابقا , وهذه الرسالة الآن .
والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعدادا تاما حقيقيا لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات , وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة .
3 – التنفيذ : وهي مرحلة جهاد لا هوادة فيه ، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية ، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون , ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين في يوم 5 ربيع الأول سنة 1359هـ .
وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة , وتقبلك لهذه الرسالة , وتعهدك بهذه البيعة , تكون في الدور الثاني , وبالقرب من الدور الثالث , فقدّر التبعة التي التزمتها وأعدّ نفسك للوفاء بها .

وأريد بالثبات :
أن يظل الأخ عاملا مجاهدا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام , حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين , فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية , (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23) , والوقت عندنا جزء من العلاج , والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات , ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة .
وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الستة تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ , وكل ذلك مرهون بوقته (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (الاسراء:51) .

أريد بالتجرد:
أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص ، لأنها أسمى الفكر وأجمعها و أعلاها : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:138) , (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4) .
 والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد , أو مسلم قاعد ، أو مسلم آثم ، أو ذمي معاهد ، أو محايد ، أو محارب , و لكل حكمه في ميزان الإسلام , وفى حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص و الهيئات ، ويكون الولاء أو العداء .


 وأريد بالأخوة :
 أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها ، والأخوة أخت الإيمان ، والتفرق أخو الكفر ، وأول القوة : قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب: سلامة الصدر , وأعلاه : مرتبة الإيثار , (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) .
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71) , وهكذا يجب أن نكون .


و أريد بالثقة :
اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة , (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) .
والقائد جزء من الدعوة ، ولا دعوة بغير قيادة ، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة ، وإحكام خططها ، ونجاحها في الوصول إلى غايتها , وتغلبها على ما يعترضها من عقبات (فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (محمد:20-21) .
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية , و الأستاذ بالإفادة العلمية , والشيخ بالتربية الروحية , والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة , ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعا , والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات .
ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته :

1 – هل تعرف إلى قائده من قبل و درس ظروف حياته ؟
2 – هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه ؟
3 – هله هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعا قاطعا لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟
4 – هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة  والصواب , إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي ؟
5 – هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة ؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة .

بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد , وثقته به , والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63) .


أيها الأخ الصادق :
إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لبنة قوية في البناء :

1 – أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء , واجتهد ألا تختم في أكثر من شهر , ولا في أقل من ثلاثة أيام .
2 – أن تحسن تلاوة القرآن و الاستماع إليه والتدبر في معانيه , وأن تدرس السير المطهرة و تاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقتك , و أقل ما يكفي في ذلك كتاب (حماة الإسلام) , و إن تكثر من القراءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأن تحفظ أربعين حديثا على الأقل ولتكن الأربعين النووية , وأن تدرس رسالة في أصول العقائد و رسالة في فروع الفقه .
3 – أن تبادر بالكشف الصحي العام وان تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض , وتهتم بأسباب القوة و الوقاية الجسمانية وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي .
4 – أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي ,ونحوها من المشروبات المنبهة , فلا تشربها إلا لضرورة , وأن تمتنع بتاتا عن التدخين .
5 – أن تعني بالنظافة في كل شيء في المسكن و الملبس و المطعم و البدن و محل العمل , فقد بني الدين على النظافة .
6 – أن تكون  صادق الكلمة فلا تكذب أبدا .
7 – أن تكون وفيا بالعهد والكلمة و الوعد , فلا تخلف مهما كانت الظروف .
8 – أن تكون شجاعا عظيم الاحتمال , وأفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر , والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب .
9 - أن تكون وقورا تؤثر الجد دائما , ولا يمنعك الوقار من المزاح الصادق و الضحك في تبسم .
10 – أن تكون شديد الحياء دقيق الشعور , عظيم التأثر بالحسن و القبح , تسر للأول و تتألم للثاني , و أن تكون متواضع في غير ذلة ولا خنوع ولا ملق , وأن تطلب أقل من مرتبتك لتصل إليها .
11 – أن تكون عادلا صحيح الحكم في جميع الأحوال , لا ينسيك الغضب الحسنات ولا تغضي عين الرضا عن السيئات , ولا تحملك الخصومة على نسيان الجميل , وتقول الحق ولو كان على نفسك أو على أقرب الناس إليك وإن كان مرّا .
12 – أن تكون عظيم النشاط مدربا على الخدمات   العامة , تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس , فتعود المريض وتساعد المحتاج و تحمل الضعيف وتواسي المنكوب و لو بالكلمة الطيبة , وتبادر دائما إلى الخيرات .
13 – أن تكون رحيم القلب كريما سمحا تعفو وتصفح و تلين وتحلم وترفق بالإنسان و الحيوان , جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعا , محافظا على الآداب الإسلامية الاجتماعية فترحم الصغير وتوقر الكبير و تفسح في المجلس , ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب , وتستأذن في الدخول والانصراف ..الخ .
14 – أن تجيد القراءة و الكتابة , وأن تكثر من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم و مجلاتهم ونحوها , و أن تكون لنفسك مكتبة خاصة مهما كانت صغيرة , وأن تتبحر في علمك و فنك إن كنت من أهل الاختصاص , وان تلم بالشؤون الإسلامية العامة إلماما يمكنك من تصورها و الحكم عليها حكما يتفق مع مقتضيات الفكرة .
15 – أن تزاول عملا اقتصاديا مهما كنت غنيا , وأن تقدم العمل الحر مهما ضئيلا , وأن تزج بنفسك فيه مهما كان كانت مواهبك العملية .
16 – ألا تحرص على الوظيفة الحكومية , و أن تعتبرها الضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا أتيحت لك , ولا تتخل عنها إلا إذا تعارضت تعارضا تاما مع واجبات الدعوة .
17 – أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش و ضبط الموعد .
18 – أن تكون حسن التقاضي لحقّك , وأن تؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة  بدون طلب , ولا تماطل أبدا .
19 – أن تبتعد عن الميسر بكل أنواعه مهما كان المقصد من ورائها , وتتجنب وسائل الكسب الحرام مهما كان وراءها من ربح عاجل .
20 – أن تبتعد عن الربا في جميع المعاملات وأن تطهر منه تماما .
21 – أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية , وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال , ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي .
22 – أن تشترك في الدعوة بجزء من مالك , تؤدي الزكاة الواجبة فيه , وان تجعل منه حقا معلوما للسائل والمحروم مهما كان دخلك ضئيلا .
23 – أن تدخر للطوارئ جزءا من دخلك مهما قل , وألا تتورط في الكماليات أبدا .
24 – أن تعمل ما استطعت على إحياء العادات الإسلامية و إماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة , ومن ذلك التحية و اللغة والتاريخ والزي والأثاث , ومواعيد العمل والراحة ,والطعام و الشراب , والقدوم والانصراف , والحزن والسرور ..الخ , وأن تتحرى السنة المطهرة في ذلك .
25 – أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي , والأندية والصحف و الجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة .
26 – أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى , وتذكر الآخرة وتستعد لها , وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمة وعزيمة , وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل , والإكثار من الذكر القلبي واللساني , و تحرّي الدعاء في المذكور في كل الأحوال .
27 – أن تحسن الطهارة وأن تظل على وضوء غالب الأحيان .
28 – أن تحسن الصلاة وتواظب على أدائها في أوقاتها , وتحرص على الجماعة والمسجد ما أمكن ذلك .
29 – أن تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا , وتعمل على ذلك إن لم تكن مستطيعا الآن ذلك .
30 – أن تستصحب دائما نية الجهاد و حب الشهادة وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد .
31 – أن تجدد التوبة والاستغفار دائما وأن تتحرز من صغائر الآثام فضلا عن كبارها , وأن تجعل لنفسك ساعة قبل النوم تحاسبها فيها على ما عملت من خير أو شر , وأن تحرص على الوقت فهو الحياة فلا تصرف جزءا منه من غير فائدة , وأن تتورع عن الشبهات حتى لا تقع في الحرام .
32 – أن تجاهد نفسك جهادا عنيفا حتى يسلس قيادتها لك , وأن تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك , وتسمو بها دائما إلى الحلال الطيب , وتحول بينها وبين الحرام من ذلك أيا كان .
33 – أن تتجنب الخمر والمسكر والمفتر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب .
34 – أن تبتعد عن أقران السوء و أصدقاء الفساد و أماكن المعصية و الإثم .
35 – أن تحارب أماكن اللهو فضلا عن أن تقربها , وأن تبتعد عن مظاهر الترف و الرخاوة جميعا .
36 – أن تعرف أعضاء كتيبتك فردا فردا معرفة تامة , وتعرفهم نفسك معرفة تامة كذلك , وتؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر , وتؤثرهم بمعاملتك دائما .
37 – أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك .
38 – أتعمل على نشر دعوتك في كل مكان وأن تحيط القيادة علما بكل ظروفك ولا تقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إلا بإذن , وأن تكون دائم الاتصال الروحي و العملي بها , وأن تعتبر نفسك دائما جنديا في الثكنة تنتظر الأوامر .



أيها الأخ الصادق :
هذه مجمل لدعوتك , وبيان موجز لفكرتك , وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات:
(الله غايتنا , و الرسول قدوتنا , و القرآن شرعتنا , و الجهاد سبيلنا , و الشهادة أمنيتنا) .

و أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى :
البساطة , والتلاوة , والصلاة , والجندية , والخلق .
فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم , وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى و العابثين .
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك , كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة , وأنت منا ونحن منك , وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك , وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر , وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب , فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية و التوفيق .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ :

( 1 )  تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ
( 2 ) وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :

1 - يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
2 - وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
3 - وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ
4 - وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:10-14) .

  والسلام عليكم ورحمة الله 

حسـن البنــا 
اقرأ المزيد »