مظاهر الهمّ والإنشغال بالدعوة

مكتبة الدعوة و التغيير

اسم المقال : مظاهر الهمّ والإنشغال بالدعوة 
كاتب المقال: د. أبومروان 
مظاهر الهمّ والإنشغال بالدعوة :

للهمّ والإنشغال بالدعوة مظاهر نشير إلى بعض منها :-

1) يهتمون بما يحدث للدعوة والدعاة :

أ‌- رجل يكتم إيمانه :

يقول سبحانه وتعالى وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ، قال يا موسى  القصص 20(إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، فاخرج إنى لك من الناصحين .

يقول الشيخ السعدى ( أى ركضاً على قدميه من نصحه لموسى وخوفه أن يوقعوا به .) ، فهو لم يكتف بالتأثر عند سماعه علية القوم يخططون لمقتل موسى عليه السلام ، إنما دفعه الإهتمام بمصير الدعوة عند مقتل الدعاة أن يتحرك بأقصى ما يستطيع ليفعل شيئاً أى شيء لإفشال هذا المخطط  ولترجمة ذلك الإهتمام إلى واقع ملموس .

ب‌- أمثلة من حياة الصحابة :

إذ هما فى الغار :

ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر والله لا تدخله حتى أدخله قبلك ، فإن كان فيه شىء أصابنى دونك ، فدخل فكسحه ، ووجد فى جانبه ثقباً فشق إزاره وسدها به ، وبقى منهما اثنان فألقمهما رجليه ، ثم قال لرسول الله  : ادخل . فدخل رسول الله  ووضع رأسه فى حجره ونام ، فلدغ أبو بكر فى رجله من الجحر ، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله  فسقطت دموعه على وجه رسول الله  ، فقال : مالك يا أبا بكر ؟ قال لدغت ، فداك أبى وأمى ، فتفل رسول الله   فذهب ما يجده . وجدّ ت قريش فى البحث عن رسول الله  وصاحبه حتى وصل المطاردون إلى باب الغار . يروى البخارى عن أنس عن أبى بكر قال : { كنت مع النبى  فى الغار فرفعت رأسى  فإذا أنا بأقدام القوم ، فقلت يا نبى الله لو أن أحدهم طأطأ بصره " لو نظر أحدهم تحت قدميه " لرآنا  قال :اسكت يا أبا بكر  اثنان الله ثالثهما  وفى لفظٍ " ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " }.

ولم يكن فزع أبى بكر مخافة على نفسه إنما كان خوفاً على رسول الله  كما روى عن أبى بكر قوله : إن ‘قتلت فإنما أنا رجل واحد  وإن ‘قتلت أنت هلكت الأمة . )

وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يبلغ ذروة الإهتمام بما يحدث للدعوة والدعاة عند بداية اسلامه . فقد تعرض فى بداية الأمر لبعض المضايقات من سفهاء قريش مما اضطر خاله أن يجيره ، فلم يتعرض له أحد ، وفى تلك الأثناء كان يتحسر بسبب رؤيته للمسلمين وهم يتعرضون للتعذيب ، وهو بمأمن من ذلك فنراه يقول " وكنت لا أشاء أن أرى أحد من المسلمين ‘يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب ، فقلت ما هذا بشيء حتى يصيبنى مثل ما يصيب المسلمين ؟ فأمهلت حتى إذا جلس الناس فى الحج وصلت إلى خالى فقلت : اسمع ؟ فقال : ما أسمع ؟ قلت : جوارك عليك رد ، فقال : لا تفعل يا بن أختى ، قلت بل هو ذاك ، فقال : ما شئت !! فما زلت أضرِب وأضرَب حتى أعز الله الإسلام ."

إن اهتمامه بما يحدث لإخوانه من الدعاة وصل إلى درجة أنه يعاتب نفسه ألا يصيبها ما أصابهم ، ولم تطب نفسه حتى لاقى ما لاقوا ، ذلك أنه عضو من هذا الجسد الطاهر الذى إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . ] المصفى من صفات الدعاة – عبد الحميد البلالى .

ج ) أمثلة من تاريخ الدعوة :

موقف الإمام البنا حين أرسل إلى إبراهيم عبد الهادى رئيس وزراء مصر يقول له " إذا كنتم حللتم الجماعة واعتقلتم من كان منهم فى فلسطين ومن منهم هنا ورميتم بهم فى المنفى بجبل الطور ، فلتعتقلونى معهم لأنى أنا الذى ربيتهم .

فى عام 1957 أفرِج عن الأستاذ الهضيبى صحياً ، لأن حالته كانت تنذر بالهلاك كما قررت لجنة من الأطباء ، فلم يكد يحس الأستاذ بالعافية حتى كتب إلى السلطات بأنه قد عوفي بحمد الله مما عرض له ، وأنه باستطاعته العودة لقضاء باقى المدة المحكوم عليه بها . لم تطاوعه نفسه أن ينعم بترف أو راحة متميزاً عن إخوانه رفقاء الجهاد ، فلا يستأثرون بالأجر دونه ] رحلتى مع الجماعة الصامدة – أحمد أبو شادى

الأستاذ عمر التلمسانى رحمة الله عليه  كان قد ارتبط بموعد من مواعيد الدعوة قبل مرضه الأخير فلما داهمه المرض ، دخل فى غيبوبة فكان إذا أفاق منها يسأل مرافقيه : هل ذهب أحد للوفاء بالموعد ؟ وهكذا لم تمنعه الغيبوبة وآلام المرض أن يتذكر موعده الذى ارتبط به ويهتم بإنجازه .

أحد الإخوة رأى فى سبحة من سبحاته أن إخوانه المعتقلين ينامون على الأرض وعليها فرشة من ليف أو بغير فراش وهو ينام على فراش سريره ناعماً هانئاً فما كان منه إلا أن نزل من على سريره إلى الأرض ينام عليها حتى يستشعر حال إخوانه وما هم عليه فى معتقلهم ويشاركهم وجدانياً .

2) لا يعرفون الراحة :

جاء فى وصف الإمام البنا للمجاهد ، أنه لا يستريح ولا يعرف للراحة طعماً  إلا بالحركة الدائبة بهذه الدعوة ولهذه الدعوة ، فهذا شاعر الدعوة المعاصرة عمر بهاء الدين الأميرى وهو فى جناح طب القلب موصول الصدر إلى جهاز المراقبة الإلكترونى ، يسأله الطبيب عن استراحته  فيرد عليه بفهم يختلف عن فهمه : كلا رويدك يا طبيـب وقد سألت أما اسـتراح ؟

هل يستريح الحر يوقر صدره العبء الرزاح ؟!

نعم فالذى يمتلئ صدره بما يحدث للدعوة والدعاة كل يوم على أيدى الإمعات تابعى معسكر الشرق والغرب  والذى يمتلئ صدره بالحزن على انحراف المنحرفين عن الجادة من قومه  والذى يمتلئ صدره بالحسرة على تلهى الدعاة بتجريح بعضهم بعضا وتفكك رباطهم  والذى يحزنه أشد الحزن تقصيراً أو تفريطاً فى حق الدعوة أو انشغالاً بالدنيا عن الآخرة  ويرى تقدم العدو واستهزاءه بكل القيم واحتقاره لهذا الدين العظيم وأهله دون أن يرى من يتحرك ، كيف يستريح ؟! ولئن استراح جسده فلا تستريح نفسه.} المصفى من صفات الدعاة – البلالى

- { انظر إلى الإمام البنا – رضوان الله عليه – وهو يضرب المثل لأتباعه فى بذل الجهد والتضحية بكل شىء ، زار ثلاثة آلاف قرية من أربعة آلاف هى مجموع قرى القطر المصرى  بل إنه استقال من وظيفته ليتفرغ لواجبات دعوته ، وكان ينام فى أسفاره ليدخر الوقت لأتباعه وقد ضحى براحته ، وكان يتمثل قول الإمام أحمد بن حنبل : " من أراد الراحة ترك الراحة " } التضحية والفداء فى الإسلام – أ / جمعة أمين

3) يكرهون السكون والعجز :

عندما تسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أيها الناس إنى داع فأمنوا – فجاء فى دعائه – اللهم إنى ضعيف عند العمل بطاعتك فارزقنى النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة التى لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك ."

أين نشاطنا من نشاط عمر رضى الله عنه ؟ ولكنه الحرص على بلوغ الكمال فى العبادة ، كما هو البغض لجميع أنواع الضعف .

و ها هو الإمام الشافعى يبالغ فى بغض السكون وحب الحركة فيقول :

إنى رأيت وقوف المــاء يفســده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم ‘يصب

والشمـس لو وقفت فى الفلك دائمـة لملها الناس من عجـم ومن عـرب

وها هو الداعية الكبير ( مصطفى السباعى ) رحمه الله يتألم أشد الألم بسبب إعاقة المرض لتحركه للحق فيقول : فإن تكـن الأيام أودت بصحتى وعاقت خطى عزمى بكل مسدد

فما كنت خواراً ولا كنت يائسـاً ولست بساوٍ فى فراشى ومقعدى

سأمشى إلى الغايات مشى مكافح ألوذ بعـز الله فى كل معـترك

4) يقهرون الأعذار :

القرآن الكريم يحدثنا عن صنف من صحابة رسول الله  لا يجدون ما ينفقون ولم يقعدهم ذلك عن الخروج إلى رسول الله  ليحملهم للجهاد معه  ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ." سورة التوبة 92

وها هو ذا عمرو بن الجموح وقد حاول أبناؤه أن يقعدوه عن الخروج لمعركة أحد يقول لهم : إن الله قد استنفر الخفيف والثقيل انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله  سورة التوبة 41 والله إنى لأريد أن أطأ بعرجتى هذه الجنة .

وكان أحدهم يحملونه على سريره ليشارك إخوانه فى لقاءاتهم وأعمالهم لأنه يصر على أن يشاركهم اجتماعهم فى عملهم للدعوة .

وكان وما زال الواحد من هذه النماذج وهؤلاء الدعاة يسافر مئات الكيلومترات رغم كبر سنه ومرضه لينشر دعوته أو يشارك أخ له فى مناسبة تشغله .



0 التعليقات:

إرسال تعليق